سورة محمد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


قوله تعالى: {الذين كَفَروا} أي: بتوحيد الله {وصَدُّوا} الناس عن الإِيمان به، وهم مشركو قريش، {أَضَلَّ أعمالَهم} أي: أبطلها، ولم يجعل لها ثواباً، فكأنَّها لم تكن؛ وقد كانوا يُطْعِمُون الطَّعامَ، ويَصِلون الأرحام، ويتصدّقون، ويفعلون ما يعتقدونه قُرْبَةً.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعني: أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وآمَنوا بما نُزِّل على محمد} وقرأ ابن مسعود {نَزَّلَ} بفتح النون والزَّاي وتشديدها. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومعاذ القارئ: {أُنْزِلَ} بهمزة مضمومة مكسورة الزَّاي. وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، وأبو عمران: {نَزَلَ} بفتح النون والزاي وتخفيفها، {كَفَّر عنهم سيِّئآتِهم} أي: غفرها لهم {وأصْلَحَ بالَهم} أي: حالَهم، قاله قتادة، والمبرِّد.
قوله تعالى: {ذلك} قال الزجاج: معناه: الأمرُ ذلك، وجائز أن يكون: ذلك الإِضلال، لاتِّباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفّارات باتِّباع المؤمنين الحقَّ، {كذلك يَضْرِبُ اللهُ للناس أمثالَهم} أي: كذلك يبيِّن أمثال حسنات المؤمنين وسيِّئات الكافرين كهذا البيان.
قوله تعالى: {فضَرْبَ الرِّقابِ} إِغراءُ؛ والمعنى: فاقتُلوهم، لأن الأغلب في موضع القتل ضربُ العُنق {حتى إَذا أثْخَنْتموهم} أي: أكثرتُم فيهم القتل {فشُدُّوا الوَثاقَ} يعني في الأسر؛ وإِنما يكون الأسر بعد المبالغة في القتل. و{الوَثاق} اسم من الإِيثاق؛ تقول: أوثقتُه إِيثاقاً ووَثاقاً، إِذا شددتَ أسره لئلا يُفْلِت {فإمّا مَنّاً بَعْدُ} قال أبو عبيدة: إِمّا أن تُمنُّوا وإِمّا أن تفادوا، ومثلُه سَقْياً، ورَعْياً، وإِنما هو سُقِيتَ ورُعِيتَ. وقال الزجاج: إِمَّا منَنَتُم عليهم بعد أن تأسِروهم مَنّاً، وإِمّا أطلقتُموهم بِفِداء.
فصل:
وهذه الآية محكَمة عند عامَّة العلماء. وممَّن ذهب إِلى أنَّ حُكم المَنِّ والفداء باقٍ لم يُنْسَخ: ابنُ عمر، ومجاهدٌ، والحسنُ، وابنُ سيرين، وأحمدُ، والشافعيُّ. وذهب قوم إلى نسخ المَنِّ والفداء بقوله: {فاقْتُلوا المشركين حيثُ وجدتموهم}، وممن ذهب إلى هذا ابن جريج، والسدي وأبو حنيفة. وقد أشرنا إِلى القولين في [براءة: 5].
قوله تعالى: {حتَّى تَضَعَ الحربُ أوزارَها} قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد من المشركين. وقال مجاهد: حتى لا يكون دِينُ إِلاّ دين الإِسلام. وقال سعيد بن جبير: حتى يخرُج المسيح. وقال الفراء: حتى لا يبقى إلاّ مُسْلِم أو مُسالِم. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: حتى يضعَ أهلُ الحرب سلاحَهم؛ قال الأعشى:
وَأًَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا *** رِمَاحاً طِوَالاً وَخَيْلاً ذُكُوراَ
وأصل الوِزْرِ ما حملته، فسمّى السلاح أوزاراً لأنه يُحْمل، هذا قول ابن قتيبة.
والثاني: حتى تضعَ حربُكم وقتالكم أوزارَ المشركين وقبائح أعمالهم بأن يُسْلِموا ولا يعبُدوا إِلاَّ الله، ذكره الواحدي.
قوله تعالى: {ذلك} أي: الأمر ذلك الذي ذَكَرْنا {ولو يشاء اللهُ لانْتَصَر منهم} بإهلاكهم أوتغذيتهم بما شاء {ولكنْ} أمركم بالحرب {لِيَبْلُو بعضَكم ببعض} فيُثيب المؤمن ويُكرمه بالشهادة، ويُخزي الكافر بالقتل والعذاب.
قوله تعالى: {والذين قُتِلُوا} قرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم: {قٌتِلُوا} بضم القاف وكسر التاء؛ والباقون: {قاتَلُوا} بألف.
قوله تعالى: {سيَهدِيهم} فيه أربعة أقوال:
أحدها: يَهديهم إِلى أرشد الأمور، قاله ابن عباس.
والثاني: يحقق لهم الهداية، قاله الحسن.
والثالث: إِلى مُحاجَّة منكَر ونكير.
والرابع: إِلى طريق الجنة، حكاهما الماوردي.
وفي قوله: {عرَّفها لهم} قولان:
أحدهما: عرَّفهم منازلهم فيها فلا يستدِلُّون عليها ولا يُخطِئونها، هذا قول الجمهور، منهم مجاهد وقتادة، واختاره الفراء، وأبو عبيدة.
والثاني: طيَّبها لهم، رواه عطاء عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: وهو قول أصحاب اللغة يقال: طعامٌ معرَّف، أي: مطيَّب.
وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء وابن محيصن: {عَرَفَها لهم} بتخفيف الراء.


قوله تعالى: {إِن تنصُروا اللهَ} أي: تنصُروا دينه ورسوله {ينصُرْكم} على عدوِّكم {ويثبِّتْ أقدامكم} عند القتال. وروى المفضل عن عاصم: {ويُثْبِتْ} بالتخفيف.
{والذين كَفَروا فتَعْساً لهم} قال الفراء: المعنى: فأتْعَسَهم اللهُ، والدُّعاء قد يجري مَجرى الأمر والنهي. قال ابن قتيبة: هو من قولك: تَعَسْتُ، أي: عَثَرْتُ وسَقَطْتُ. وقال الزجاج: التَّعْسُ في اللغة: الانحطاط والعُثُور. وما بعد هذا قد سبق بيانه [الكهف: 105] [يوسف: 109] إِلى قوله: {دمَّر اللهُ عليهم} أي: أهلكم اللهُ {وللكافرين أمثالُها} أي: أمثالُ تلك العاقبة.
{ذلك} الذي فعله بالمؤمنين من النصر، وبالكافرين من الدَّمار {بأنَّ اللهَ مَوْلَى الذين آمَنوا} أي: ولِيُّهم.
وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: {ويأكُلون كما تأكُل الأنعامُ} أي: إِن الأنعام تأكُل وتشرب، ولا تَدري ما في غدٍ، فكذلك الكفار لا يلتفتون إِلى الآخرة. والمَثْوىَ: المَنْزِل.
{وكأيِّن} مشروح في [آل عمران: 146]. والمراد بقريته مكة؛ وأضاف القوة والإخراج إِليها، والمراد أهلُها ولذلك قال {أهلَكْناهم}.
قوله تعالى: {أفَمَن كان على بيِّنة من ربِّه} فيه قولان:
أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو العالية.
والثاني: أنه المؤمن، قاله الحسن.
وفي {البيِّنة} قولان:
أحدهما: القرآن، قاله ابن زيد.
والثاني: الدِّين، قاله ابن السائب.
{كمَنْ زُيِّن له سوءُ عمله} يعني عبادة الأوثان، وهو الكافر {واتَّبَعوا أهواءَهم} بعبادتها.


{مَثَلُ الجَنَّةِ التي وعد المتقون} أي: صِفَتُها وقد شرحناه في [الرعد: 35]. و{المتَّقون} عند المفسرين: الذين يَتَّقون الشِّرك. والآسِن المتغيِّر الرِّيح، قاله أبو عبيدة، والزجاج. وقال ابن قتيبة: هو المتغير الرِّيح والطَّعم والآجِن نحوه. وقرأ ابن كثير {غيرِ أسِنٍ} بغير مد. وقد شرحنا قوله: {لَذَّةٍ للشّارِبين} في [الصافات: 46].
قوله تعالى: {من عسلٍ مُصَفّىً} أي: من عسل ليس فيه عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا.
قوله تعالى: {كمَنْ هو خالدٌ في النار} قال الفراء: أراد مَنْ كان في هذا النعيم، كمن هو خالد في النار؟!.
قوله تعالى: {ماءً حميماً} أي: حارا شديد الحرارة. والأمعاء جميع ما في البطن من الحوايا.

1 | 2 | 3